نموذج "مپنا" للتنمية المستدامة وإدارة الموارد المائية
تطوير مشاريع التحلية وإعادة التدوير وتحقيق أقصى قدر من الكفاءة
نموذج “مپنا” للتنمية المستدامة وإدارة الموارد المائية
تطوير مشاريع التحلية وإعادة التدوير وتحقيق أقصى قدر من الكفاءة
قد دخلت مجموعة “مپنا” خلال السنوات الأخيرة بشكل جاد في صناعة المياه، بالإضافة إلى أنشطتها المعروفة في مجال الطاقة. وقد ضاعفت أزمة نقص المياه والضغط المتزايد على الموارد المحدودة للجمهورية الاسلامية الايرانية من ضرورة دخول القطاع الخاص القادر إلى هذا المجال.
تعتمد أعمال “مپنا” في مجال المياه على ثلاثة محاور رئيسية: “تطوير تقنيات تحلية ونقل مياه البحر، وإعادة تدوير مياه الصرف الصناعية والحضرية، وإدارة استهلاك المياه في القطاع الزراعي؛ هذه المحاور الثلاثة لا تعتبر استجابة للاحتياجات الملحة للبلاد فحسب، بل يمكنها أيضاً تمهيد الطريق للتنمية المستدامة لإيران وحتى للمنطقة.
وقام “محمد رضا قاسمي”، المدير التنفيذي لأعمال المياه في مجموعة “مپنا” في حوار خاص له مع المركز الاعلامي التابع لـ”مپنا” بتحلیل الظروف المناخية في إيران والاحتياجات الحيوية للبلاد في أزمات المياه الحالية والمستقبلية، واصفاً إيران بأنها دولة تقع في مناخ جاف وشبه جاف بحيث يبلغ متوسط هطول الأمطار السنوي حوالي 250 ملم، بينما يزيد المتوسط العالمي عن ثلاثة أضعاف هذا الرقم.
واعتبر أن مستقبل البلاد على المدى المتوسط من حيث توفير المياه يواجه تحديات كبيرة، حيث يستهلك حالياً حوالي 90% من مواردها المائية في القطاع الزراعي، وذلك بأساليب ذات كفاءة منخفضة. يستهلك القطاع الصناعي والاستخدامات المنزلية حصة أقل، ولكن مع نمو السكان وتطور الصناعات، ازداد الضغط على الموارد المائية. لذلك، فإن مستقبل البلاد على المدى المتوسط من حيث توفير المياه يواجه تحديات كبيرة، وإذا لم يتم تطبيق إدارة ذكية وتغيير أنماط الاستهلاك، فإن أزمة المياه ستصل إلى مستوى أكثر خطورة.
سألنا المدير التنفيذي لأعمال المياه في مجموعة “مپنا” عن مكانة هذه المجموعة الصناعية في هذه المعادلة ولماذا دخلت مجال المياه، وكيف هي قصة هذا العمل في مجموعة “مپنا” الصناعية الكبيرة:
حلول مپنا التكنولوجية وقدراتها الفنية والهندسية
تعتبر أزمة المياه واحدة من أكبر التحديات الوطنية، ولا يمكن لـ”مپنا”، كمجموعة صناعية وتكنولوجية، أن تكون غير مبالية بها. كان لدخول “مپنا” مجال المياه سببان رئيسيان: أولاً، حاجة البلاد إلى حلول تكنولوجية لإدارة الموارد المائية؛ ثانياً، إمكانية استخدام القدرات الفنية والهندسية لهذه المجموعة في مجال يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالطاقة. لدينا اليوم سجلات قيمة في تقنيات توليد المياه العذبة من البحر، وبالإضافة إلى ذلك، استثمرنا في تطوير تقنيات معالجة مياه الصرف الصناعية والحضرية. الهدف هو من خلال الجمع بين هذين النهجين، إنشاء مصادر جديدة لمياه الشرب والصناعة، وتقليل الضغط على الموارد الطبيعية. هنا يجب الإشارة إلى أنه في خطة التنمية السابعة للبلاد، التي صدرت في يوليو 2024 م، تمّ التكليف بزيادة القدرة السنوية للاستفادة من المياه غير التقليدية بمقدار 1.774 مليار متر مكعب على الأقل خلال السنوات الخمس لهذه الخطة.
مشاريع مپنا: من محطات تحلية المياه إلى معالجة وإعادة تدوير مياه الصرف
تتنوع مشاريع “مپنا” في صناعة المياه بشكل واسع، من محطات تحلية المياه الكبيرة بتقنية التناضح العكسي والحرارية على السواحل الجنوبية للبلاد إلى وحدات معالجة مياه الصرف في المدن الصناعية؛ على وجه التحديد، يعتبر مشروع محطة تحلية محافظة “بوشهر”(جنوب ايران) أحد الأمثلة البارزة، حيث تمّ تصميمه بتقنية التناضح العكسي (RO) ويوفّر حالياً احتياجات المياه الحضرية لسكان يزيد عددهم عن 200 ألف نسمة في مدينة بوشهر.
كما توفّر محطة تحلية المياه الحرارية التابعة لشركة “قشم” للمياه والكهرباء حالياً ما يصل إلى 18 ألف متر مكعب من مياه الشرب يومياً لشبكة المياه الحضرية في قشم أو يتم توزيعها في عبوات زجاجات تحمل علامة “مانغرو” التجارية في محافظة “هرمزکان”(جنوب ایران) وبعض المحافظات المجاورة.
من بين المشاريع قيد الإنشاء لمجموعة “مپنا” في مجال تحلية المياه هي محطات تحلية المياه الحرارية لمصفاة “مهرخليج فارس” بسعة 6 آلاف متر مكعب، ومحطة تحلية المياه بالتناضح العكسي في مدينة “دير” بمحافظة بوشهر بسعة ثلاثة أمتار مكعبة يومياً، ومحطة “تشارك” لتحلية المياه بسعة 8 آلاف متر مكعب يومياً، ومحطة “مكران” لتحلية المياه بسعة 48 ألف متر مكعب يوميًا.
بالإضافة إلى ذلك، تنشط “مپنا” في مجال إعادة تدوير مياه الصرف بمعايير تسمح باستخدامها في الصناعة. على سبيل المثال، في محطة كهرباء “برند” بمحافظة طهران، ومحطة كهرباء “فردوسي” في مدينة مشهد باعتبارهما محطتين تابعتين لمجموعة “مپنا”، يتم توليد مياه منزوعة الأيونات (demineralized water) عن طريق استقبال ونقل مياه الصرف من المدن المجاورة ومعالجتها بشكل إضافي، وتستخدم في دورة توليد الكهرباء ولزيادة كفاءة المحطة.
تعتبر هذه المشاريع نماذج ناجحة لصناعة الكهرباء والصناعات الأخرى. كما تمّ تنفيذ مشروع في شركة “ذوب آهن” لصهر الحديد في أصفهان وهو على وشك التشغيل، حيث تتم معالجة مياه الصرف الحضرية والصناعية وتوفيرها للاستخدام في صناعة الصلب. ولهذا الموضوع فائدتان مهمتان: أولاً، تتم تلبية جزء من احتياجات الصناعات دون الاعتماد على موارد جديدة، وثانياً، يتم تقليل الضغط على موارد المياه الجوفية والسطحية.
المحور الثالث لعملنا يعود إلى الزراعة. نظراً لأن هذا القطاع هو أكبر مستهلك للمياه، فإن تحسين طرق الري مدرج على جدول الأعمال. تعمل مجموعة “مپنا” على تطوير أنظمة زراعة الدفيئات المائية الذكية التي يمكنها توفير الكمية الدقيقة من المياه اللازمة للنبات بناءً على ظروفه. على الرغم من أن هذه المشاريع قد تم تنفيذها على نطاق نموذجي وكمشروع تجريبي، إلا أن تطويرها وتكرارها على المستوى الوطني يلعب دوراً مهماً للغاية في تحسين كفاءة استخدام المياه.
ویقع هذا المشروع، الذي يحمل إسم ” MAPNA AGREED، بجوار محطة كهرباء “کناوه” ويتضمن ثلاث دفيئات بمساحة إجمالية تبلغ هكتاراً واحداً، وقد تم استخدام ألواح شمسية بسعة إجمالية تبلغ 660 كيلوواط كمشروع مبتكر لتوليد الطاقة.
إعادة تدوير المياه والهواجس البيئية
إعادة تدوير المياه ضرورة من وجهة نظرنا، ولكن يجب أن يتم ذلك بعناية لمنع دخول الملوثات الكيميائية والميكروبية إلى دورة الاستهلاك. قد تحتوي مياه الصرف الصناعي على معادن ثقيلة أو مركبات خطرة، لذلك فإن المعالجة متعددة المراحل واستخدام التقنيات المتقدمة مثل MBR ضروريان.
تسعى “مپنا” جاهدة لتنفيذ القوانين العليا لخطة التنمية السابعة في تطوير استخدام المياه غير التقليدية في الصناعات كثيفة الاستهلاك للمياه (باستثناء الصناعات الغذائية والصحية)، وهذا يرفع عبئاً ثقيلاً عن موارد المياه الجوفية والسطحية.
التحديات والعوائق
على المستوى الوطني، تعدّ محدودية الموارد المالية، والبنية التحتية المتهالكة، والبيروقراطية المعقدة، أهم العوائق. كما أن تغير المناخ والجفاف المتكرر يزيدان من مخاطر المشاريع. على مستوى مجموعة “مپنا”، لدينا مشاكل مثل صعوبة تمويل المشاريع الكبيرة، والتعقيدات الفنية، والقيود الناتجة عن العقوبات. يعتمد جزء من التقنيات الحديثة في هذا المجال على الحاجة إلى المواد الخام المستوردة، بالإضافة إلى ضرورة تسهيل الوصول إلى الموارد المالية والمصرفية. ومع ذلك، فقد قمنا بتوطين جزء كبير من المعدات، وبالتعاون مع الشركات المحلية وبعض الشركاء الأجانب، تمكنا من مواصلة تقدم المشاريع.
الرؤية المستقبلية لأعمال المياه في “مپنا”
سيرکّز اهتمام مجموعة “مپنا” في الأفق الزمني من ثلاث إلى خمس سنوات القادمة بشكل أكبر على موضوعين: استخدام المياه غير التقليدية (بما في ذلك تطوير مشاريع تحلية المياه ونقل المياه من البحر، وكذلك معالجة وإعادة تدوير مياه الصرف الصحي) وتحسين كفاءة استخدام المياه في الزراعة. هذه المشاريع حيوية للمدن والصناعات في الجمهورية الاسلامية الايرانية. نعتزم أيضاً أن نصبح أكثر نشاطاً في الأسواق الإقليمية. تواجه الدول المجاورة مشاكل مماثلة في مجال المياه، ويمكن لمجموعة “مپنا”، بالاعتماد على قدراتها الفنية، أن تصبح لاعباً إقليمياً مؤثراً في هذه الصناعة.
أظهرت “مپنا” من خلال دخولها الهادف إلى صناعة المياه، أنها ليست مجرد شركة نشطة في مجال الطاقة، بل يمكنها أيضاً أن تلعب دوراً في مجالات البنية التحتية الأخرى. إن مشاريع تحلية المياه، وإعادة تدوير مياه الصرف الصحي، وتحسين كفاءة استخدام المياه في الزراعة، ليست فقط استجابة للحاجة الملحة للبلاد، بل يمكن أن تكون نموذجاً للتنمية المستدامة وإدارة موارد المياه في المنطقة. يبدو مستقبل هذا العمل، على الرغم من التحديات الاقتصادية والفنية، مشرقاً للغاية.