کشور

“مپنا”؛ تجربة قيمة في البنية الصناعية لإیران

بعد ثماني سنوات من الدفاع المقدس  (حرب الثماني سنوات التي فرضها نظام البعث العراقي على الجمهورية الاسلامية الايرانية – 1980-1988م)، وبسبب الأضرار الجسيمة التي لحقت بالشبكة ومحطات الطاقة القائمة في إيران، فضلاً عن وجود مشاريع محطات توليد الطاقة غير المكتملة، واجهت إیران نقصاً خطيراً في مجال توليد الطاقة الكهربائية.

في هذه المرحلة من تاريخ إيران المعاصر، لفتت مشاريع تطوير محطات الطاقة الحرارية إنتباه وزارة الطاقة الایرانية بحيث وضعت وزارة الطاقة الايرانية مشروع إنشاء محطة “الشهيد رجائي” لتوليد الطاقة الكهربائية كخطوة أولى على جدول أعمالها.

وكانت محطة الشهيد رجائي لتوليد الطاقة الكهربائية أحد المشاريع التي شكلت الأسس الأولى لمجموعة “مپنا” بناء على الخبرات المكتسبة فيها ومن أجل تركيز وتكامل المعرفة والخبرة المكتسبة سابقًا، تم إنشاء شركة “مپنا” في عام 1993 م للحدّ من مشاكل صناعة الكهرباء في إيران من خلال إدارة وإنشاء مشاريع محطات الطاقة الحرارية.

كان أحد الأهداف الأكثر وضوحاً عبر الشركات في تشكيل “مپنا” هو تطوير قوة وقدرة التصنيع المحلي وتحقيق أقصى إستفادة من المنتجات المحلية. إن تحقيق هذا الهدف وغيره من الأهداف يتطلب إرادة خاصة والثقة بالذات، والتي كان ينبغي استخدامهما كخميرة ومعتقد استراتيجي للشركة. وفي النهاية تم تحقيق هذه القضية دون أي تحيز بالمعنى الحقيقي.

أجيال و دروس

وبحسب “خليل بهبهاني”، نائب رئيس مجلس الإدارة والمدير التنفيذي لقطاع الكهرباء التابع لمجموعة “مپنا”، فإنه يمكن استخدام طريقة وأسباب إنشاء “مپنا” والأهداف التي تمّ رسمها لهذه المنظمة الجديدة كدرس قيّم للغاية في البيئة الصناعية والهيكلية للبلاد. ومع ذلك، يمكن إدراج العديد من الإنجازات المستندة إلى دروس “مپنا” الداخلية بشكل منفصل في الأجيال الثلاثة السابقة والجيل الجديد من “مپنا”، لقد قام “خليل بهبهاني” بتحليل وجود وتأثير أربعة أجيال خلال ثلاثة عقود في “مپنا” بهذه الطريقة:

إن خلق الهوية لـ”مپنا”، والعمل الجاد في جوّ من عدم التصديق، وإدارة المشروع، والاستجابة للحلقات المفقودة في صناعة الكهرباء، والتحرك نحو التكامل، والفعالة والمتواضعة، والتركيز على المشروع من خلال الاعتماد على مرحلة الإنشاء (إدارة المشروع ـ الموجّه نحو البناء) كانت ضمن السمات المميزة للجيل الأول من مدراء وموظفي “مپنا”.

في الجيل الثاني، كان إثبات الهوية لـ”مپنا”، والثقة بالنفس، والثقة بالذات، والتحرك مع إطفاء الأنوار (Low Profile)، وتلقي التكنولوجيا وتوطينها (Manufacturing Oriented)، والتمهيد لتنويع الأعمال  (Diversification)على جدول الأعمال.

قام الجيل الثالث من مجموعة “مپنا” بوضع إنشاء التكنولوجيا، وتوسيع الأعمال التجارية، وحلّ المشكلات، والتنمية المعتمدة على الابتكار، والصناعات كثيفة الاستهلاك للطاقة، P2X، والظروف المحيطة بالبلاد، وتأثيرات التضخم، والتحديات الاقتصادية الأخرى على جدول أعماله، كما يسعى الجيل الرابع إلى صناعة المستقبل، والعولمة، والذكاء، وخلق علامة تجارية متفوقة.

قدمت مجموعة هذه الحالات منظمة قيمة لسوق الأعمال للصناعة في إیران، والذي يمكن أن يكون منصة لمزيد من الازدهار التقني والعلمي والتنفيذي وخلق الثروة في البلاد والمنطقة.

توليد الكهرباء والظروف الدولية

تعدّ الظروف الخاصة التي تحكم العلاقات الدولية، والوضع الاقتصادي للبلاد، ونقص الموارد المالية، والتضخم، وسعر الصرف، والمطالبات المتراكمة، وتطوير التقنيات والقوانين واللوائح، وما إلى ذلك، من بين التحديات الواضحة لهذه الفترات من حياة الشركة.

أدت مشاركة “مپنا” النشطة في سلسلة توليد الكهرباء، بما في ذلك الاستثمار والهندسة والتوريد والبناء والإنشاء والتشغيل وإصلاح محطات الطاقة الحرارية والمتجددة، إلى تلبية احتياجات صناعة الكهرباء في إيران في العقدين الماضيين بحيث تمّ حلّ مشكلة البلاد قدر الامكان في مجال اختلال توازن الكهرباء في العقود المذكورة.

من جانب آخر، بسبب العقوبات الظالمة التي فرضت على إیران خلال السنوات الماضية، وما نتج عنها من مشاكل اقتصادية، واجه تمويل بعض المشاريع تحديات بشكل أدّى إلى الحدّ من مشاركة القطاع الخاص في تطوير محطات توليد الكهرباء في البلاد، ممّا أدّى إلى انخفاض إمدادات الكهرباء بشكل واضح في السنوات الأخيرة.

 

الثقة بالذات؛ فكرة بدت مستحيلة في البداية

ولدت فكرة “رمز الثقة بالذات” من التغلب على إعتقاد بأنه ليس من الممكن إنشاء محطات الطاقة الحرارية في إیران بالقدرة المحلية الحالية. وللتغلب على هذه الفكرة لم يكن مشروع واحد وحده فعالاً، ولكن العملية التي حدثت بعد إنشاء أول محطة كهرباء في مجموعة “مپنا”، ساعدت في تكوين هذه الفكرة بحيث تم استيعاب هذه الفكرة في مجموعة “مپنا”، ولقد أصبح الآن اعتقاد أعضاء هذه المجموعة الصناعية في جميع المستويات وانتشر إلى مجالات الأعمال الأخرى أيضاً.

بهذه الطريقة، عند مراجعة تاريخ “مپنا” القصير ولكن المثمر، نرى أن هذه المجموعة الصناعية انتقلت من إنشاء محطة “الشهيد رجائي” لتوليد الكهرباء إلى توليد أكثر من 50 ألف ميغاواط من الكهرباء خلال ثلاثة عقود، وهو المسار الذي بدا مستحيلاً في البداية.

في نموذج فكرة مجموعة “مپنا” بالتزامن مع تطوير محطات الطاقة الحرارية، يعتبر استبدال الوقود الأحفوري بمصادر متجددة، وهو أمر ضروري، بمثابة فرصة لتطوير محفظتها من المنتجات التكنولوجية.

وفي هذا الصدد، إتخذت “مپنا” خطوات أساسية في الحصول على التكنولوجيا والتصنيع الداخلي لمعدات محطات الطاقة المتجددة، وكانت رائدة في إستثمار وإنشاء محطات الطاقة المتجددة في البلاد ولها مساهمة كبيرة.

أثناء البناء والتطوير الصناعي في حدود وأحجام “مپنا”، حدثت العديد من التغييرات في مجال التكنولوجيا، وحالیاً حان الوقت لـ”مپنا” لکي تعرف مدى قدرتها على التكيّف مع هذه التغييرات.

وبطبيعة الحال، لم تكن هذه التغييرات جديدة بالنسبة لهذه المجموعة، حيث تعرضت مجموعة “مپنا” لتغيرات تكنولوجية في الماضي وأبقت هذه المجموعة متزامنة مع التغييرات. على سبيل المثال، يمكننا الإشارة إلى التوربينات الغازية لـ”مپنا”، والتي تم تحديثها مع مرور الوقت سواء من حيث القدرة أو الفئة مع تغيرات الزمن والتكنولوجيا. في الوقت الحالي، أصبحت مصادر الطاقة المتجددة مهمة جداً في البلاد وفي العالم. إلا أن مجموعة “مپنا”، تماشياً مع رسالتها في البلاد التي تعنى بالنشاط في مجال الطاقة وخاصة الكهرباء، شعرت بالحاجة إلى دخول مجال الطاقة المتجددة في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين للميلاد وفقاً للاتجاهات العالمية.

نظرة “مپنا” الخاصة على تطوير مصادر الطاقة المتجددة

وأشار المدير التنفيذي لقطاع الكهرباء التابع لمجموعة “مپنا” إلى دخول هذه المجموعة في مجال الطاقة المتجددة، قائلاً: “عقدت مفاوضات موسعة مع وزارة الطاقة الإيرانية والسلطات آنذاك، وتقرر توطين المعرفة الفنية الخاصة بتصنيع توربينات الرياح في مجموعة “مپنا” بهدف توسيع هذه المعرفة في البلاد”.

ونتيجة لذلك تم نقل المعرفة الفنية في مجموعة “مپنا” وتم استيراد تقنية تصنيع توربينات 2.5 ميغاواط من ألمانيا وتم توطينها في هذه المجموعة الصناعية.

وأدت نتيجة هذا التفاعل إلى إنشاء أول محطة لتوليد الطاقة الكهربائية عبر الرياح في البلاد في مدينة “تاكستان” الواقعة في محافظة “قزوين” الايرانية، والتي تعرف بمزرعة “كهك” لطاقة الرياح وتم إنشاء 22 توربينة رياح بقدرة 2.5 ميغاواط بقدرة إجمالية 55 ميغاواط في هذه المزرعة باستثمار مجموعة “مپنا”، كما أنه من أجل إنشاء مجموعة متكاملة متجددة، تم أيضاً إنشاء مزرعة للطاقة الشمسية بقدرة 2 ميغاواط بجوار مزرعة “كهك” لتوليد الطاقة الكهربائية عبر الرياح.

“استمراراً لتوسع هذا الحقل في مجموعة “مپنا”، تمّ إنشاء محطة كهرباء”آقكند” بقدرة 50 ميغاواط في مدينة “ميانة” بمحافظة “أذربيجان الشرقية”، ومحطة كهرباء “ميل نادر” بقدرة 50 ميغاواط في مدينة “زابل” بمحافظة “سيستان وبلوشستان” الايرانية، وذلك باستثمار مباشر من مجموعة “مپنا”. وبالإضافة إلى هذه الأنشطة، لعبت مجموعة “مپنا” دوراً بارزاً في الاستثمار في تنفيذ مشاريع الطاقة المتجددة في شكل عقد الهندسة والتوريد والإنشاء(EPC). وتقدّم حالياً الخدمات ذات الصلة في مزارع الرياح في منطقة “درح” الواقعة في محافظة خراسان الجنوبية ومنطقة “خواف” الواقعة في  محافظة خراسان الرضوية”.

كما أنه في مجال الطاقة الشمسية، فازت مجموعة “مپنا” بمناقصة محطة كهرباء “فولاد مباركه” بقدرة 600 ميغاواط، وتعمل كمشغلة لأكبر محطة للطاقة الشمسية المركزة في البلاد.

 

أعلى نسبة استثمار في قطاع الطاقة المتجددة في إيران

وباستعراض الأنشطة الأخيرة لمجموعة “مپنا” يتبين أن هذه المجموعة شاركت كمستثمر في المناقصة الأولى التي عقدتها هيئة الطاقة المتجددة وكفاءة الكهرباء لعام 2021 للمیلاد في مجال الطاقة الشمسية ونجحت في الفوز بأكبر قدرة من تلك المناقصة بنسبة 430 ميغاواط. أيضًا، نظراً للتوسع في الطاقات المتجددة، يتم تصنيع وتوريد محولات السلسلة والمحولات المركزية بالإضافة إلى أنظمة تخزين الطاقة BESS بواسطة مجموعة “مپنا”.

بالإضافة إلى ذلك، في مجال طاقة الرياح، باستثناء التوربين الحالي بقدرة 2.5 ميغاواط، يتم توريد وتصنيع توربينات ذات قدرة أعلى وفئة رياح أكثر ملاءمة لظروف البلاد من قبل مجموعة “مپنا” ولها القدرة على التوريد للعملاء .

بشكل عام، وبسبب النهج الخاص الذي اتبعته إيران مؤخراً في مجال الطاقة المتجددة، قامت مجموعة “مپنا” باعتبارها واحدة من الشركات الرائدة في مجال الطاقة والطاقة المتجددة في البلاد، بتوسيع أنشطتها في هذا المجال، ويمكنها تلبية إحتياجات البلاد في هذا المجال كما كان الحال في الماضي.

تظهر الدراسات الاستقصائية أن مجموعة “مپنا” لديها أكبر قدر من الاستثمار وأكبر قدرة مثبتة وتشغيلية في البلاد في مجال الطاقة المتجددة.

مؤسسة قائمة على المعرفة وعلامة تجارية مستقرة

مجموعة “مپنا” هي مؤسسة اقتصادية متخصصة قائمة على المعرفة، حيث تتم جميع أنشطتها على أساس الإستدلال والمنطق واحتياجات البلاد. بما أنه تم وضع أساس “مپنا” من قبل متخصصي صناعة الكهرباء في إیران، كان هذا الأساس في صناعة الكهرباء دائماً موضع اهتمام مختلف أصحاب المصلحة. وفي الوقت نفسه، قامت “مپنا” بواجباتها في مجال إمدادات الكهرباء بشكل صحيح وبشكل مستقل عن الحكومات المختلفة. ونظراً لنفس طبيعة البنية التحتية والخدمية للمنظمة بما يتجاوز تغيرات الحكومات، فقد ظلت “مپنا” مؤثرة في مجال الطاقة وشهدت استقراراً لا مثيل له.

فريدة من نوعها في صناعة الأعمال

إن التجربة الفريدة لـ”مپنا” في الأعمال الصناعية الإيرانية تعيد إلى الأذهان هذا السؤال لماذا لم تتكرر تجارب “مپنا” على مستويات أخرى أو في صناعات أخرى؟ ردّاً على هذا السؤال يقول المهندس بهبهاني: “على الرغم من الجهود التي بذلت في المجالات الأخرى للصناعة في إيران من قبل أصحاب فكرة تشكيل “مپنا” لتكرار هذه التجربة، ولكن لأسباب يمكن ذكر بعضها ليتم تسجيلها في الوثائق وحتى اعتبارها أبعاد باثولوجيا لموضوع، هذه الجهود لم تسفر في الغالب عن النجاح”.

أولاً، کون وزارة الطاقة الإيرانية متخصصة کانت فعالة للغاية في طبيعة تكوين مجموعة “مپنا” بينما في الصناعات الأخرى، على الرغم من ارتفاع مستوى الربحية وطبيعتها المتخصصة والتقنية، فإن الحالات غير المتخصصة متورطة أو ستصبح متورطة مما يعيق تكوين واستمرارية الشركة أو الشركات المشابهة لمجموعة “مپنا” في تلك الصناعة. المسألة الثانية هي المعتقد الاداري بالصناعة المرغوبة في تقييم وتطوير الشركات المشابهة لمجموعة “مپنا”. إن تحديد أهداف واضحة وفهم احتياجات الصناعة وهيكلة الشركة المذكورة من أجل الاستجابة للروابط المفقودة هو موضوع لا يحظى باهتمام كبير في هذا العمل.

إن تكييف الوقت المطلوب للشركة وتأسيسها هو أمر آخر أخذه بعين الاعتبار مؤسسو “مپنا” وفي نفس الوقت، مع قبولهم بوجود نواقص وحلقات مفقودة في الصناعة، حاولوا إصلاحها. وهناك نقطة أخرى مهمة وهي أن عملية صنع السياسات في “مپنا” سارت بطريقة لم تعد الشركة قادرة على المنافسة في الصناعة المرغوبة أو في الوزارات والمنظمات ذات الصلة.

ويمكن اعتبار توظيف الموارد البشرية الفعالة والديناميكية والمدروسة في خدمة المنظمة، وخاصة في بداية التأسيس، سبباً آخر لنجاح “مپنا”.

التنمية المستدامة

وبهذه الطريقة، أصبحت “مپنا” في تطورها من التركيز على مجال محطات توليد الكهرباء، شركة رئيسية تضمّ أكثر من 75 شركة فرعية مباشرة، والتي بالإضافة إلى كونها شركة مصنعة لمعدات محطات توليد الكهرباء الرئيسية وتنفيذ مشاريع كبيرة في صناعة محطات توليد الكهرباء، وفي نفس الوقت تعمل في مختلف مجالات النفط والغاز والنقل والمياه والكهرباء والألمنيوم.

لقد حدث هذا النمو السريع بطريقة كان من المستحيل تصديقها إذا تنبأ شخص ما بهذا المستقبل لمؤسسي “مپنا” قبل ثلاثين عاماً. ولكن من أجل تحقيق الأحلام في المستقبل، فإن أحد احتياجات “مپنا” الأساسية هو تجنب التشبع على جميع المستويات المختلفة للمنظمة.

وفي الختام، يقول المهندس بهبهاني: “إذا كنا نبحث عن مفهوم جديد ومبتكر ومستدام لتحقيق أحلامنا في اتجاه صناعة المستقبل، علامة تجارية مرجعية دولية ورائدة في الأعمال الرئيسية والمولدة للقيمة القائمة على التكنولوجيا، يبدو الأمر متجاوزًا لكل النماذج السابقة والجديدة، ويجب علينا دائماً أن نتحرك بشكل غير محدود وحرّ في طريق التنمية المستدامة، فخورون في طريق الخدمة ومحدثون وذكيون في طريق الأعمال”.

Scroll to Top