صفحة خاصة

كيف خفّضت "مپنا" بصمتها الكربونية؟

في حوار مع المدير التنفيذي لشركة "مپنا" للطاقة المتجددة "الدكتور ياور عناني"

في حوار مع المدير التنفيذي لشركة "مپنا" للطاقة المتجددة "الدكتور ياور عناني"

في العقد الأخير من القرن الماضي والعقد الأول من القرن الحادي والعشرين للميلاد، كان الحديث عن القضايا البيئية بين بعض المديرين وحتى في المجتمع آنذاك مرفوضاً تماماً باعتباره قضايا غير ضرورية وعاطفية.

في ذلك الوقت، وتأثراً بإجراء التغييرات الاقتصادية، كانت الأولوية الرئيسية هي تنمية البلاد، وكان هناك وجهة نظر مشتركة مفادها أنه من أجل التقدم والتنمية السريعة، يمكن أحياناً إستخدام الموارد الطبيعية والبيئة دون قيود.

لكن صفحة الزمن دارت بشكل أسرع مما كان يتصور. في بداية العقد الثاني من القرن الـ21 للميلاد، مع بداية ظهور ظواهر مثل الغبار الناعم الذي يغطي بشكل رئيسي من الحدود الغربية إلى وسط البلاد، وانعكاس الهواء وتلوثه المفرط في المدن الكبرى، وكذلك عملية تجفيف بعض الأنهار المهمة في البلاد، وأيضاً بحيرتي “أورميه” و”بختکان”، أصبح من الواضح ما هي عواقب تلك السياسات على مستقبل البلاد؟

وفي هذا السياق، وفي معرض ردّه على سؤال هل تغيرت المواقف السابقة بين المديرين؟ أوضح المدير التنفيذي لشركة “مپنا” للطاقة المتجددة في إیران “ياور عناني” إن هذا التغيير لم يكن صفراٌ أو واحداٌ تماماً.

وبحسب قوله فان التنمية المستدامة تعتبر حالياً إحدى الأهداف الرئيسية للجمهوریة الاسلامية الايرانية، وفي هذا الصدد، تم النظر إلى البيئة بشكل أكثر جدية.

على سبيل المثال، حققت مناقشة كفاءة الطاقة والطاقة المتجددة تقدماً كبيراً في البلاد، كما أن التدابير الرامية إلى الحدّ من الملوثات واستعادة الموارد المائية مدرجة أيضاٌ على جدول الأعمال، ولكن التنمية المستدامة مكلفة وإذا لم يتم إتخاذ تدابير وقائية في مجال البيئة، فقد يتم فرض المزيد من التكاليف على البلاد في المستقبل لحلّ المشاكل التي تعاني منها البلاد.

فيما يلي هو حوار مفصل مع  المدير التنفيذي لشركة “مپنا” للطاقة المتجددة “الدكتور ياور عناني” والذي تمت كتابته على شكل الروایة التاريخية:

نظرة على تكاليف التنمية المستدامة

إن أي تطوير دون النظر إلى التبعات البيئية ليس تطوراً مؤقتاً فحسب، بل سيترك آثاراً مدمرة في المستقبل، هذا هو الدرس الأول الذي تعلّمه التكنوقراط الإيرانيون من تجارب في العقد الأخير من القرن الماضي والعقد الأول من القرن الحادي والعشرين للميلاد.

كما نعلم ونرى، قد تغيرت نظرة البلاد إلى القضايا البيئية منذ العقد الأخير من القرن الماضي وحتى اليوم، والآن يمكن القول إن البلاد تتجه نحو الكفاءة والاستخدام الأمثل لموارد الطاقة.

على سبيل المثال، يعدّ استخدام مشاعل الغاز واحياء مستجمعات المياه من الخطط المهمة التي يجري تنفيذها في مجال آبار الغاز.

النقطة المهمة هي أن التنمية المستدامة لها تكاليف. إذا أردنا تحقيق تنمية مستدامة، فيجب علينا أن نأخذ في الاعتبار تكاليفها. على سبيل المثال، إذا لم ننتبه إلى احیاء بحيرة، فقد نحتاج إلى إنفاق أضعاف عديدة في المستقبل لعلاج الألم الناجم عن غياب تلك البحيرة.

ومع ذلك، إذا ألقينا نظرة وقائية، فإن التكاليف ستكون أقلّ. لكن إذا أردنا علاجها، كما كنا نبحث عن هذا الحلّ حتى الآن، فإن بعض الحالات لا يمكن علاجها وسترتفع التكاليف بشكل كبير.

ويبدو أن المسار قد تم تصحيحه، ولكن لا يزال هناك الكثير من العمل الذي يتعين علينا القيام به قبل أن نتمكن من المضي قدماً على المستوى العملي في مجال الطاقة.

حاليًا، تخصع البيئة في إیران لإشراف العديد من الجهات، وإن هذه الوصاية المتعددة في مجال البيئة تعتبر عائقاً ونحن بحاجة إلى نظام تنمية مستدامة. وبطبيعة الحال، وفي النهاية إن احتياجات البلاد مختلفة، وهذا يقودنا إلى تنمية متسارعة وغير مستدامة.

خفض 200 جرام من البصمة الكربونية لكل كيلوواط

إن مجموعة “مپنا” باعتبارها شركة رائدة، تقوم بتنفيذ أنشطة مهمة في مجال البيئة والطاقة. على سبيل المثال، يبلغ متوسط البصمة الكربونية لتولید الطاقة في الشبكة الوطنية للکهرباء في ايران حوالي 600 جرام لكل كيلوواط في الساعة، لكن “مپنا” تمكنت من تقليل هذا الرقم إلى أقل من 400 جرام لكل كيلوواط ساعة باستخدام نماذج الدورة المركبة وتوربينات الغاز المتقدمة.

وهذا يعني انخفاض كمية ثاني أكسيد الكربون التي تدخل الغلاف الجوي، ونتيجة لذلك، تقل التأثيرات السلبية على ظاهرة الاحتباس الحراري وتغير المناخ.

بشكل عام، تشير البصمة الكربونية إلى كمية ثاني أكسيد الكربون التي يتم إنتاجها خلال دورة حياة المعدات. لحسابها، يتم وضع كمية ثاني أكسيد الكربون المنتجة في البسط وكمية الطاقة المنتجة في المقام.

الخطوات العملية التي اتخذتها "مپنا" للحدّ من البصمة الكربونية

إن مجموعة “مپنا”  تساعد على تقليل الانبعاثات من خلال تصنیع توربينات ذات دورة مركبة عالية الكفاءة. لا تعمل هذه التوربينات على تحسين استهلاك الوقود فحسب، بل تنتج أيضاٌ ملوثات بيئية أقل مثل أكاسيد النيتروجين وأكسيد الكبريت. وبهذه الطريقة، تسعى “مپنا” الى تقليل الغازات الدفيئة مثل ثاني أكسيد الكربون والمساعدة في الحفاظ على البيئة وصحة الناس.

إنّ مجموعة “مپنا” أيضاً لها أنشطة مهمة في مجال تصنيع توربينات الرياح، كما تعمل في مجال انشاء المحطات التي تعمل بطاقة الرياح منذ أكثر من 14 عاماً وفي هذا السياق وقعت عقودًا لتصنيع توربينات الرياح.

على سبيل المثال، تبلغ البصمة الكربونية التي تنتجها هذه التوربينات 20 جراماً فقط لكل كيلوواط ساعة.و تعدّ هذه الكمية أقل بكثير من متوسط البصمة الكربونية للشبكة الوطنية للكهرباء في البلاد، والتي تبلغ حوالي 600 جرام لكل كيلوواط ساعة.

يُظهر هذا الانخفاض في البصمة الكربونية جهود “مپنا” لتوليد طاقة نظيفة وتقليل التلوث.

 

تبلغ قدرة إيران 41 ألف ميغاواط لتوليد الكهرباء من طاقة الرياح

بدأت شركة “مپنا” العمل بانبعاثات منخفضة وتوليد غازات دفيئة منخفضة منذ عام 1994 للميلاد وحققت معايير أفضل مع التطورات.

وفي مجال طاقة الرياح فإن “مپنا” هي أيضاً في وضع جيد ووفقاً لمناخ البلاد فهي توفّر أداءً جيداً لتوربينات الرياح الخاصة بها، ولكن كما نعلم فإن توربينات الرياح ليست منتشرة على نطاق واسع في إيران حتى الآن.

وفي المدن الأوروبية، يتم تركيب هذه التوربينات في أماكن يسهل الوصول إليها، وبالتالي يمكن أن تساعد في توليد الطاقة. مع ذلك، يجب أن نشير إلى أن إيران تمتلك بالفعل قدرة كبيرة في مجال طاقة الرياح ويمكن لهذه القدرة أن تساعد في تولید الطاقة النظيفة والحدّ من التلوث وتساعد في نهاية المطاف على تحسين بيئة البلاد.

وفي المناطق الشرقية من الجمهورية الاسلامية الايرانية، تتمتع محافظات “خراسان الرضوية” و”خراسان الجنوبية” و”سيستان وبلوشستان” برياح قوية وقدرات عالية لتوليد الطاقة من الرياح.

وتأتي هذه الرياح من مدينة “هرات” الأفغانية وتشير إلى القدرة الهائلة لهذه المناطق على تركيب المحطات التي تعمل بطاقة الرياح.  كما أنه تقع في ضواحي مدينة “خواف” بمحافظة خراسان الروسية مدينة إسمها “نشتيفان” وهي مشتقة من كلمة “لدغة العاصفة” وتعرف هذه الرياح برياح الـ 120 يوماً الشهيرة التي تستمر في محافظة “سيستان وبلوشستان” الايرانية.

ومن المثير للاهتمام أن هناك طواحين الهواء في هذه المنطقة يبدو أنها متبقية من عصور ما قبل الإسلام.

استثمر السكان المحليون بأنفسهم وقاموا بتصنيع هذه الطواحين لطحن قمحهم وتحويله إلى دقيق، ويمثل هذا نموذجاً ناجحاً في التنمية المحلية التي تشكلت مع مرور الوقت.

كما تعدّ منطقة “خواف” في محافظة خراسان الرضوية من المناطق التي تهبّ عليها الرياح في البلاد، ولهذا السبب فهي مناسبة جدًا لإنشاء مزارع طاقة الرياح.

وتوجد في هذه المناطق رياح قوية ومستقرة يمكن أن تساعد في توليد طاقة الرياح. لكن أحد التحديات في هذه المناطق هو أن هذه المناطق بعيدة عن المركز.

يمكن أن تساعد الأراضي المسطحة في هذه المناطق في تسهيل تركيب وتشغيل التوربينات.

وبشكل عام، تشير التقديرات إلى أن إيران لديها قدرة إنتاجية من طاقة الرياح تبلغ 41 ألف ميغاواط منها حوالي 15 ألف ميغاواط متاحة ويمكننا تطويرها بسهولة.

ولتحقيق هذه القدرة، نحتاج إلى استثمارات كبيرة. على سبيل المثال، لتطوير 15 ألف ميغاواط من طاقة الرياح، هناك حاجة إلى حوالي 15 مليار دولار من الاستثمارات.

وفي الوقت نفسه، للوصول إلى قدرة 41 ألف ميغاواط، يصل هذا الرقم إلى ما يقرب من 40 مليار دولار.

وتظهر حالة الشبكة الوطنية للكهرباء في إیران بأن القدرة المركبة الحالية تزيد عن 90 ألف ميغاواط، لكن 366 ميغاواط فقط من هذه القدرة تتعلق بطاقة الرياح، وهو أقل من واحد بالمائة من إجمالي القدرة.

ومن أجل التنمية المستدامة في هذا المجال، يجب علينا المضي قدماً تدريجياً وإضافة ما بين ألف إلى ألفي ميغاواط إلى قدرة البلاد سنوياً. تتطلب هذه المشلكة الاستثمار والدعم الحكومي من شركات الانشاء والمستثمرين حتى يتمكنوا من توفير التمويل اللازم.

الاستثمار هو كعب أخيل لتطوير الطاقة المتجددة

إن كعب أخيل لوضع الطاقة المتجددة في الجمهورية الاسلامية الايرانية هو الافتقار إلى رأس المال الأولي الذي يجب ضخّه في هذا المجال، وإذا تم حل هذه التحديات، فيمكننا المضي قدماً نحو التنمية المستدامة والاستخدام الأمثل لموارد طاقة الرياح.

تكنولوجيا توربينات الرياح معقدة ويتطلب تصميمها وتصنيعها معرفة هندسية خاصة.

عدد الشركات المصنعة ذات السمعة الطيبة في هذا المجال محدود، ولكن لا تزال هناك قدرات جيدة للتطوير.

لتركيب مزارع طاقة الرياح، يجب علينا أولاً جمع بيانات الرياح، ويتم ذلك عادة عن طريق تركيب منصات توفّر المعلومات اللازمة لتحديد مكان تركيب التوربينات.

تتمتع المناطق الشرقية من البلاد بإمكانيات عالية لتوليد الطاقة من الرياح؛ لكن السكان والصناعات يتركزون في المناطق المركزية والشمالية من البلاد، ولهذا يجب أن نفكر في نقل هذه الطاقة إلى المناطق المركزية والمكتظة بالسكان.

يمكن إجراء هذا النقل باستخدام أنظمة الجهد العالي والتيار المستمر.

حالياً، هناك القدرة على تصنيع توربينات الرياح في البلاد، وهذا الموضوع يتطلب سياسة مناسبة.

ومؤخراً تم طرح مناقصة لتركيب قدرة 1970 ميغاواط من طاقة الرياح، وقد استحوذ المستثمرون على جزء كبير من هذه القدرة والآن علينا أن نرى كيف سيتم تنفيذ هذه المشاريع.

وبشكل عام، ووفقاً للإمكانيات الموجودة وحاجة التطوير، يمكننا التوجه نحو الاستخدام الأمثل لطاقة الرياح.

وإذا لم يتم تحقيق التمويل بسبب ارتفاع التكاليف، فقد يتم إهدار القدرات الحالية، ويجب القيام بالاستثمارات اللازمة لتحقيق التنمية المستدامة.

ومن ناحية أخرى، تواجه الجمهورية الاسلامية الايرانية حالياً نقصاً في الغاز، كما أن تطوير حقول الغاز يتطلب الكثير من المال، كما أن محطات الطاقة الحرارية ومحطات الدورة المركبة بحاجة إلى الماء، ونظرًا لنقص الموارد المائية، فإن هذه المشكلة تمثل تحدياً.

تتطلب التنمية المستدامة نهجاً شاملاً ومتعدد الأوجه. لدينا حاليًا محطات الطاقة التي تعمل بالغاز تبلغ عمرها 40-50 عامًا ذات كفاءة منخفضة.

ولذلك يجب علينا التوجه نحو الطاقة المتجددة، وخاصة طاقة الرياح. لكن المشكلة الأساسية في هذا المجال هي الاستثمار ونماذج التمويل التي يجب تشكيلها بشكل صحيح.

لا يمكن تجاهل الإمكانات العالية للبلاد في مجال طاقة الرياح، ومن المأمول أنه نظراً لتوجه المزيد من الأنظار إلى هذا المجال، فإن الاستثمار والتطوير في هذا المجال سيزداد أكثر فأكثر في السنوات القادمة.

Scroll to Top